السبت، 14 نوفمبر 2009

إلى التي سـألت عني ذات يوم ، أهديهــا قطــة .....

لم يكن يوما عاديــا ....
فقد عــاد متـأخرا على غير العادة ....
إحتسى كأسا من الماء ثم أتبعه بعلبة من شرابه الغاري المفضــل ....
وبدأ يستذكر شريط يومه ليعرف ما الذي أخره ....

مبكرا كان قد صحى ....
ونثر بعضا من حبيبات الماء على وجهه ....
فرش أسنانه ومشط شعر رأسه ....
وبعدهـا أصبح في حيــرة أي العطور ستحضى بشرف ملامسة جسده ....
أغمض عيناه ومد إحدى يداه وأخذ عطرا من بين سلة العطور ....


"أنت أيها الشقي حضيت بشرف تمثيلي ولو لدقائق ليقال أنني قد كنت هنا " ....
هكذا تمتم مبتسما قبل أن يضع قارورة العطر ويتجه ناحية المطبخ ....

إحتسى على عجل كاسا من شرابه البارد ....
ومن ثم خرج مسرعا من شقته ....
فأحكم إغلاق باب شقته وأخذ من صندوق بريده جريدة الصباح ....

صادف في الشارع شيخا طاعنا في السن ....
مد له يد العون في قطع الشارع إلى الضفة الآخرى ....
إبتسم له مودعا " على الرحب والسعة "
هكذا تركه ....

قريته التي كانت جميلة وصغيرة ....
أصبحت تعج بالفوضى والزحام ....
وسيمفونية أبواق المارة نافست أشهر ملحني الأوكيسترا ....
والمباني إنتشرت كانتشار النار على الهشيم ....

خارج حدود قريته أو "مدينته" ....
حديقة كبيرة تركت للعامة ....
فاشــتهرت بالحديقة العامة ....

أوى بنفسه إلى جذع شجرة ....
وبحث عن مكانا لا يتسلل إليه ضوء الشمس حتى لايزعجه وقت الظهيرة ....
تصفح جريدته وقرأ رؤوس المواضيع ....
"لا جديد كالعادة"
هكذا أسر في نفسه وأعاد التمتع في قرآة نصه مرارا وتكرارا ....


أخرج قلمه وبعضا من الوريقات ....
فكر في ماذا سيكتب فلا بد أن يبعث بنصه هذا المساء ....
حاول جاهدا أن يكتب شيء فلم يستطع ....
نظر حوله بسرعة لعله يجد شيئا يكتب عنه فلم يجد ....
إستند على جذع الشجرة وأغلق عيناه محاولا أن يرسل بفكره بعيدا فلم يتخطى الخطوتين وعاد فارغا ....

" اللعنة "
هكذا صاح عندما رمى بقلمه في ضجر بعد أن فرغ صبره ....
وألقى بجسمه على الحشائش الصغيرة ....
وبدأ يحلق في الأفق ويتفكر إختلاس ضوء الشمس بين وريقات الشجرة ....


بعد فترة ليست بالقصيرة ....
أحس بشيء غريب ....
صوت عصافير على غير العادة ....
فإنتصب لينظر مصدره ....
فــ شاهد عصفوران يحاولان لفت إنتباه قطة بيضاء ....
عمل مسحا سريعا حول القطة ....
فإذا بعصفور صغير لا يبعد كثير عن القطة ولا يقوى على الطيران ....
وأبواه يحاولان منع القطة من رؤيته ....

"سبحان الله"
ردد بلسانه وأوشك أن يذهب لينقذ العصفور الصغير ....
لكنه قال في نفسه سأتريث قليلا وأنظر ماذا سيحصل ....
فلعلي أجد موضوعا لأكتب عنه ....


شاهد حركات الكر والفر التي إنتهجها الوالدان لحماية صغيرهما ....
ولكنها لم تبدي نفعا ....
فلقد لفتا إنتباه القطة وأيقنت بوجود شيئا من أجله هذان العصفوران يقومان بهذه الحركات ....

نظرت القطة حولها ....
فإذا بعصفور صغير يحاول الاختباء بين الحشائش ....
فجلس بمكر كأنه منشغل بالوالدين ....
وبلحم البصر ينقض على الصغير ....
وبين فكيه ولى فارا ولم يعقب ....


إنتابته الحسرة ومرارة المشهد ....
فقد كان عازما على مساعدة الصغير ....
وبدأ يلوم نفسه على أنانيته من أجل الظفر بموضوع جديد ....

وفي غمرة حزنه الشديد ....
يمر بقربه مزارعان يتذمران من الطيور والعصافير ....
لأنها أفسدت محصول الحبوب هذا العام ....


حينها إنفرجت كربته بعد أن ظن أنها لن تنفرج ....
فتبسم ضاحكا وقال :
" إنها حكمة الخالق أن جعل القطة تلتهم الصغير
حتى تقل أعداد الطيور رحمة بالإنسان ، فسبحان الله " ....

وبعدها ....
دق جرس الشقة ليوقضه من تفكيره ....
" إنه أنا ساعي البريد "
هكذا قال من خلف الباب ....
ثم أضاف بعد أن تم فتح الباب :
ألا يوجد لديك نص هذا المساء لأجل إرساله إلى مقر الجريدة ؟ ....
فأجابه : هذا هو ....
فلقد تأخرت قليلا في العودة للشقة مساء اليوم ....
ولكنه جاهز للنشر ....


تفضل ....
و ودعه مبتسما ....
و أغلق بابه من الداخل ....