الأربعاء، 1 أغسطس 2018

عندما بكى نيتشه...


بعد انتهائي من رواية الأخوة كارامازوف الطويلة .. رغبت بالتنويع قليلا .. ف اخترت كتابين لاتصفحهما .. لأعتبرهما فاصلا بين رواية الأخوة و رواية آخرى ..
يحدث ان اختياراتك لا تكون في محلها.. ف تجاهد قليلاً لإكمال ما قررت قرأته .. لكن للصبر حدود.. ف كان لابد من ترك الكتابين جانباً والاستعانة ب رواية تبقيك على اتصال بأي كتاب ..
لطالما سمعت و قرأت بعض الأسطر عن الفيلسوف نيتشه.. لم يكن مستغرباً أن امتلك رواية تحمل اسمه..
الرواية لم تكن مميزة عن غيرها من الروايات التي قرأتها سابقاً، وخاصة في أول عشرين فصلا - 360 صفحة - بالرغم من أنها قد حملت الكثير من الجمل والتفاسير الرائعة...
لكن ما جاء بالفصل الحادي والعشرين - في نظري - هو ما جعل الرواية مميزة أيضا.. فلقد استطاع الكاتب بحركة ما أن يخدع القارئ في تسلسل أحداث الرواية.. هذا الفصل تحديداً - بالرغم من احتوائه على صفحتين لا تتناسبان الا مع البالغين - الا انه احتوى على مشهد ساحر، جعلك تعيش مع الكاتب في الرحلات المكوكية بالقطار لبطل الرواية ( طبيب نيتشه)..
الرواية هي حديث بين نيتشه و طبيبه.. تبدأ بمحاولة الطبيب إخراج نيتشه من عزلته.. وتنتهي بأن نيتشه يصبح هو الطبيب، والطبيب هو المريض..
تحدثت عن العزلة و عن الأوهام التي تصيب الانسان و ربما لا وجود لها إلا في مخيلته.. تحدثت عن الأحلام واسبابها و تفسير بعض الأحلام و تفسير بعض الرموز التي بها..

رواية تستحق القراءة.. 

الأحد، 22 يوليو 2018

لا زلت انتظر شبيه بيمبي يا أمي..

لم تكن امي لتحكي.. لكن في كل مرةٍ تلتقي عيني بعينها، أرى خيانات من ادمعها..
كل دمعة تضع حكايتها على خدها..
تلك الخطوط التي على وجهها، ليست من صنع الزمان.. تلك قصص رواها الدمع المسكوب..

كان لزاماً عليَّ أن أغادر البيت فراراً من ادمعها.. لم يكن الصمت هو الأشد رهبة لي، إنما دمعها...

في إحدى ليالي الصيف الحارقة.. لم أعد إلى بيتنا.. ولم التقِ بأمي تلك... إنما وجدت صديق الطفولة أحمد.. هو يعلم بحالي كثيرا..
كنت خجلاً أن أطلب منه مالا.. لكنه عرف ما اريد.. فقال لي : خذ هذه ال10 ريالات.. خذ سيارة أجرة و اذهب الى العاصمة.. ابحث عن وظيفة هناك.. لعل ربك يفرجها.. ف بعد العسر يسر..

لم أنتظر طويلا بعدما ودعته شاكرا له معروفه و واعدا له بأن لا أنسى صنيعه.. أخذت بتلك الليلة سيارة أجرة متجها إلى العاصمة.. كانت الرحلة سريعة إلى العاصمة..
وصلت وكل شيء كان مغلقاً.. إنها تشير إلى ال8 مساء.. وقفت بجانب جامعٍ مزركش و مملؤ ب الزخارف.. وعند مدخله، وجدت شحاتاً يطلب المساعدة المالية.. افترش قارعة الممر المؤدي إلى المدخل.. وضع قبعته البالية فوق بقايا جريدة محلية..
اتراها سخرية القدر أو أنه صنيع الشحات حين تراك عنوانا بارزاً بالصحيفة يراه الجميع من على بعد امتارٍ..
العنوان يقول : لاعب مشهور يمنح عاملا بأحد الفنادق مبلغاً ضخماً كبخشيش..
لسان حال الشحات يقول : أنتم أيها المؤمنون  أولى بالتصدق من اللاعب..

أذن المؤذن لصلاة العشاء .. فقررت أن اصلي بالجامع المزركش..
حين دخلته، ذُهلت عيناي من جمال الجامع بالداخل.. و وجدت المصلين بملابس فخمة وانا واضح علي ثيابي الرثة..

حين أقام المؤذن للصلاة، و كبر الإمام تكبيرة الإحرام..
هذه المرة لم تكن الأفكار و الأحلام التي اشغلني بها ابليس اللعين أثناء الصلاة ، هي نفس تلك التي يأتي بها وانا في القرية..
اتراه نفس الابليس.. أو أن ابليسهم من الأغنياء المترفين!..
كل الذي أعرفه، أن الصلاة انتهت بسرعة ولا أعلم ماذا قد قرأ الإمام و كم من الركعات قد صليت!..
سألت الله كثيراً أن يرزقني جزء مما لديهم..
وحين خرجت من الجامع، لم أجد النعال في مكانها!..
بحثت عنها، ف إذا بها أمام مدخل الحمامات، يستخدمها العابرون ليدخلوا بها دورات المياه!..
كم كان المشهد مؤلما.. ركضت لاخذها من أمام أحد المتوضئين.. و اخرج مسرعا من الجامع..
تذكرت شطر البيت "يمشي الفقير وكل شيء ضده"..

مشيت قليلاً.. و وقفت أمام مطعم بسيط هكذا ظننته.. 
طلبت بعض الطعام.. و سألت احد موظفيه عن سبب إغلاق بعض المحلات.. فقال انها تغلق في أيام الإجازات.. فقلت له وأنا مستغرب : هل غدا اجازة؟.. فقال نعم..

حينها أدركت أن مشواري إلى العاصمة أصبح فاشلا.. ولا يوجد لدي مال لاعود به إلا إذا لم ادفع تكاليف العشاء!.. 
بدأت تظهر في ملامحي بعض العلامات الدالة على الارتباك.. قررت فجأة أن اركض و لم أكن أعلم بأن دورية للشرطة كانت تقف خلفي تطلب بعض الطعام.. وفجأة حين صاح احد عمال المطعم ب "حرامي".. لم أجد نفسي الا محاصراً بسيارتين من الشرطة.. 
تم ايقافي ووضعي بالسجن بتهمة السرقة و تشويه سمعة البلد..

كتبت لأمي رسالة أخبرها بحالي.. وذكرتها بالوزير السابق في حكومتهم مالكوم إكس.. وكيف كانت حياته و كيف تغيرت أفكاره و أحلامه حين كان بالسجن.. 
انا يا أمي لا أزال بالسجن.. انتظر شبيه "بيمبي"  لأتأثر به و يعلمني معنى العدالة والدين..

الان اكمل الشهر الثالث ولا توجد بوادر مشجعه على ظهور بيمبي!! 

الأربعاء، 18 يوليو 2018

لا تخلو بنفسك مع جهازٍ بل مع كتاب...


غارقٌ في التفكير فيما آل اليه حالي .. باحثٌ عن إصلاح ضرر احدثته امرأة جميلة .. فاتحدث مع اخرى اكثر جمالا منها .. يا للغرابة !!!
وصلت الى مرحلة انني على استعداد لأن اتحدث في اَي شيء ومع اَي شيء ..   اخلق حواراً .. أنشئ جدلاً .. اصطنع مشكلةً ..

هكذا قال لي صاحبي حين وجدته فجأة يمشي وحيداً .. يمشي شارد الذهن و يُحدث نفسه .. اذكر انني رأيته قادما إليّ - هكذا ظننت اول الامر - فكانت ابتسامتي حاضرة من بعيد .. لكن للأسف لم يكن يراني أو يرى أحداً وإنما يمشي شارد الفكر ، لا يشعر  بمن حوله ..
كان مزاجه سيّء .. متعكر .. يمكن ان تقرأ روايته دون ان يرويها لك ..

مررت بمثل هذه الحالات مسبقاً .. انه الفراغ الذي يخلفه شخصاً ما، حين يرحل عنه او عنها شخص آخر  .. الحال الذي يجعل الانسان يبحث عن اي شيء ليملئ به هذا الفراغ .. انه كالغريق الباحث عن قشة لينجو بها .. انه غريق وان اختلفت الأساليب  .. و رغم ذلك ، قررت ان امشي معه قليلا .. كان الوقت يقترب من انتصاف الليل .. امام حيّ الوزارات ..
تذكر قولي له ذات يوم، حين تحدثنا عن افعال الشيطان .. يقول : هل تذكر حين وصفت الشيطان بانه طيب ،  انه لا يتركك لوحدك ، و لإن رحل صاحبٌ ، يأتيك بصاحبٍ اخر ! ، كان كل همّ الشيطان ان يشغلك  ..
حينها ضحكنا كثيرا ، لأننا كنا نؤمن ان الشيطان لم يكن ولن يكون يوماً طيباً ..

قال لي : قالوا قديما لا يفل الحديد الا الحديد ! ..
فهل بالفعل اجد الحل معها .. ام هو استبدال شيء بشيء مع وجود المشكلة .. أهي محاولة مؤقتةٌ لتجاهل  امر ما وتبقى المشكلة ! .. بل ربما تتأزم الحالة !! ..

تركني بعد ان رماني بوابلٍ من الأسئلة ! .. لن اتحدث عن ما يفعله .. لكن تذكرت احدى الروايات المروية في أسباب  مقتل سيدنا عثمان بن عفان ! .. حيث ذكرت ان الفترة الاولى من خلافة سيدنا عثمان كانت مليئة بالفتوحات .. وان الجنود وغيرهم قد وجدوا ما يشغل وقتهم .. وفِي الفترة الثانية من خلافته ، توقفت الفتوحات !.. فأتى احدهم سيدنا عثمان ناصحا له بان يستمر في الفتوحات حتى يشغلهم بشيء وإلا شغلوه .. 

وعلى النفس السياق ، ذكر الشيخ سيف بن هاشل المسكري في كتابه أوطان آيلة للسقوط  ان القوة العراقية قد تمرست على القتال طوال ثماني سنوات ولم يعد لديها أية مهمة عقب الانتهاء من  الحرب ضد ايران ، الامر الذي يجعلها مصدر تهديد لدول مجلس التعاون الخليجي ..

على المرء ان يشغل نفسه دائماً بما هو مفيد له .. عليه ان يتجنب الوحدة الا اذا اختلى بكتابٍ .. فالخلوة مع الكتاب هي أفضل الحلول لملء وقت الفراغ .. وعلى المرء ان يتجنب قضاء الساعات الطوال وحيداً ممسكاً هاتفه ، متواصلا مع احدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. فربما يصل به الحال من الوحدة كما قال "باتشينو" : ان سبب وحدة شخصٍ ما انه رأى شخصاً واحداً على انه الجميع ..
كل هذا يحدث حين يقرر احدهم الانعزال عن مجتمعه ليس منفرداً بكتابٍ وإنما بجهازٍ !! ..

الثلاثاء، 3 يوليو 2018

حياة بلا ألوان.. أفضل


كل شيء عاد كحاله السابق ...
كراسي خالية ... أوراق مبعثرة ...
وجوه غريبة ... شخصيات عابرة ...

قبل ان نلتقي يا صاحبي ...
كانت مقاعدي هي على حالها .. فارغة ...
والآن ويحَ الان قد فرغت مرة اخرى ...

في كل صباحٍ ...
كنت تمسك فرشاة الرسم لتلون صباحي بألوان الزهر ... 
ولقد كنتُ مؤمنا حينها ان الحياة بلا ألوانٍ ،، 
هي اجمل ...

مرّت الايام والأسابيع  ...
وانت كنت بطلا فيها .. حين كنت تتسلل من نافذتي ..
لتضيف لمسةً من ألوانك على ألوان حياتي ... 
كادت قناعاتي ان تتغير ...
وان يُصبح لصباحي لوناً مميز ... 

حينها انت قررت الرحيل ..
  وانا جلست تحت المطر ليغسلني من ألوانك.. 
لتعود حياتي بلا ألوان ... هكذا  حياتي هي افضل ...

الأربعاء، 27 يونيو 2018

في ضيافة الأخوة كارامازوف..



خلال شهرين متتاليين .. كنت مع دوستويفسكي وفي ضيافة عائلة كارامازوف المكونة من ابٍ و ثلاثة أبناء  ...
تصفحنا معا لأكثر من ١٦٠٠ صفحة  من حجم  
A5

حين دخلت مع دوستوفيسكي لأول مرة إلى  منزلهم.. كان في يد كل واحدٍ منهم كتاباً 

رفض الأب فيدور ان يبدأ احد من ابنائه بتصفح الكتاب - الذي يمسكه - قبله هو .. 
فابتدأ الأب بتقليب أوراق كتابه .. وكيف تكونت عائلة او الإخوة كارامازوف .. وبدأ بتعريف ابنائه ومن هما الأخوان الاشقاء ومن هو الأخ غير الشقيق لهما  .. 
أشار الى ديمتري فقال ايضا اسمه ميتيا .. ثم ألكسي واسمه الاخر أليوشا .. والثالث ايفان .. وهنا قاطعته قبل ان يقول الاسم الأخر لإيفان .. فقلت : ان ذاكرتي لا تحتفظ بالأسماء طويلا .. ان بها  ضعفاً ، فامهلها تحفظ اسماً واحداً لكل ابن .. استسمحك ان قاطعتك بان تذكر اسم واحد لكل ابن ..

هنا أومأ الأب برأسه موافقاً على كلامي .. وبدأ يسرد الكثير من الذكريات التي كتبها في كتابه الاول .. واستعرض ذكرياته مع زوجته الاولى والثانية و ماذا حلّ بأبنائه حين اهملهم .. و كيف انه قد غرق في بحر الملذات .. متناسيا مرة و ناسياً لمرات كثيرة ابنائه  .. باحثاً عن إشباع لذاته التي لا تعرف الشبع .. وبين فترة واُخرى
يعترض حديث الأب احد ابنائه او خدمه او من من يعرفه من الأصدقاء او أقارب العائلة .. افتخر كثير بالكيفية التي جمع بها ثروته ..
وهو مندفعٌ في قراءة ما ارتكبته يداه من افعال يهودية ربوية
أصابني بعض الملل منها والنعاس .. فما كان من دوستويفسكي الا ان أوقفه عن المتابعة ، ليشير الى أليوشا بأن يقرأ الجزء الثاني ، او الكتاب الثاني ..

كنت اتفرس الى ملامح أليوشا وهو يحكي لي .. لقد كان اصغر الأبناء .. ولكنه كان اعقلهم .. فلقد اخبرني دوستويفسكي عنه سابقا .. حين كان الأب يقرأ ما في كتابه ..
قراء أليوشا كتابه .. كان لديه اُسلوب شيق في القراءة و احتراف كبير في مخارج الحروف .. كان كطائر يغرد بعد الفجر منشداً أغنية الصباح .. لم اشعر بالوقت .. لمحت فجأة ان أليوشا قد اقترب كثيراً من نهاية كتابه .. تحدث كثير عن الكنيسة و عن شيخه الراهب .. وعن صلواته و تضرعاته والاحداث التي صاحبت وفاة شيخه ...
هنا تذكرت انني لم اصلِ العصر .. والشمس تقترب من الغروب .. ف أعطيت إشارة لدوستويفيسكي بضرورة المغادرة و الرجوع لاحقا لاستكمال الجزء الثالث والرابع .. واستكمال احداث ايفان و ميتيا ..
فهم إشارتي .. و استطاع - كعادته - ان يستوقف أليوشا من استكمال حديثه الذي قارب على الإنتهاء ... 
وفي طريق عودتنا ، بعدما تركنا عائلة كارامازوف، لم تتوقف روايتهم هنا .. اخبرني دوستويفسكي عن الأحداث التي ينوي ايفان وميتيا ان يخبرانا بها من كتابيهما ..
لقد حكى لي عن ميتيا او ديمتري و مبلغ الثلاثة آلاف روبل .. وعن الفتاتان اللتان عشقانه او احب إحداهن على حساب خطيبته .. و عن ما جرى للأب فيدور لاحقا .. والميراث وما يفعله بالورثة من مشاكل .. والحب وما يقترفه المحب في سبيل الحبيب ..
حدثني عن ايفان و سفره و أفكاره الإلحادية ..  و ما حل به بعد مقتل الأب فيدور .. 
اما احداث المحكمة وما جرى بها قبل وأثناء وبعد المحكمة .. فلقد كانت مأساوية و مؤلمة بما تحمله من مشاهد مثلما وصفها لي دوستويفسكي ... تم الاستماع لكل الشهود .. والأقارب و الخدم .. 
كانت فصول المحكمة غاية في التشويق بالرغم من ما تحمله في طياتها من الم ...
لن اتحدث كثيرا عن وقائعها حتى لا يفقد القارئ لذة الرواية حين يشرع بقراءتها ...

كل الذي أستطيع ان اختم به هو ان الرواية عالجت الكثير من القضايا الاجتماعية .. يكفي ما قاله محامي ميتيا امام القاضي حين قال : ليس كل اب ، هو في حقيقة الامر اب !! ... لا يعني ان للأب فضل في منح الحياة للابن ، فهذا يبيح للأب ان يفعل ما يشاء بِالابْن !..  اختم الحكي ب
حين اموت يا ابي ،، أنثر  خبزا على قبري ،،
تأكل الطير منه .

شكرا دوستويفسكي .. 

الأحد، 10 يونيو 2018

كن صديقي...



"كن صديقي" ما كان الا عنوانا زائفاً لمحاضرةٍ قدمها زائري ذات يوم ..

كعادتي السيئة.  وحيداً كنت جالساً.. وشاغلاً وقتي بقصاصات من رواية بائسة..
اطرق بابي ذات نهارٍ حارٍ من ايام رمضان..
حيث احرَّته جملة مقتبسة من الرواية.. حين قالت إحدى شخصياتها "شيطان يأخذ النساء"...

وبعدها وجد بابي مفتوحاً دائما وان لم يكن من  الأساس وجود بابٍ من قبل..
لا أنكر أنني أعجبت ذات مرة ب مقال قد كتبه.. لكن لم يكن بيننا اي نقاش أو تواصل ..
دردشنا قليلا.. وقليلا.. إلى أن صار كثيراً..

أخبرني ذات مساء، بأنه يعرف اسمي.. فطلبت منه أن لا يلتفت كثيراً لما يراه على أرصفة الطريق..
طلبته  ب مواصلة سيره و الالتزام بخطة المسار - مثلما طلبته اول الأمر - دون أن يتوقف على  الرصيف..
تحدثنا كثيراً عن الرجل الشرقي، و بالأخص عن عيوبه.. 

من جملة نقاشاتنا الكثيرة .. اذكر انه وصفني ب "رجل جدا جدا"، هذا الوصف الغريب والمضحك في آنٍ واحد بالنسبة لي.. لكونه كان مفاجئاً ، لكنه كان واقعياً حين أعدت تحليلاتي معه... كان ذكياً في تحليلاته .. وان لم يخب حدسي ، فلقد استفاد كثيراً من تخصصه و وظيفته... 

أياماً بسيطة،، لا أظنها تتعدى أصابع اليد...
صرت  له كتاباً مفتوحاً.. تجول بين أوراقي كيفما شاء ومتى ما شاء..
وصلت معه إلى مرحلة  كنت أعلم إلى أين يريد أن يشاء ،، لكنني لم أكن اقاطعه.. كنت اترك له الحرية في اختيار الأوراق التي سنقرأها ..
قراء ما بين السطور و السطور و ما حُذف من سطور بخطٍ خفيف ...
تصفح هاتفي و قرأ بعضا من مذكراتي.. لكنني لم أكن أبالي... فأنا رجلٌ شرقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. انا رجل جدا جدا مثلما وصفني... 
حاولت أن أصفه بأنه شرقي أيضاً .. لكنه من الأساس لم يكن ذا فكرٍ شرقي...  كنت أعلم مسبقاً عن ماذا يبحث... فكنت اجيب عن كل سؤال يلقيه في هاتفي.. و إن أخبرته سابقاً بأن لا يغوص في بحر التفاصيل... لكنه يبقى متميّزاً بحضوره  و "شرقي شمالي" .. 

ذات يومٍ مشؤوم .. أخبرني عن أمنيته .. يتمنى أن يكون "ذو حظٍ عظيم" معي،، لكنني إجابته بكل وضوح .. لم أكن ذات يوم ابريق علاء الدين .. ليمرر يده على رأسي و أحقق أمنياته...
ولم أكن أرغب بخوض بحر الورود مجدداً مثلما أخبرته ... ولا هو كان باحثاً عن الورود.. لأنه ليس بشرقي .. 

لذا كان علينا أن نضع نقطةً على نهاية رحلتنا القصيرة...
رحلة لو استمرت طويلا، لا أظنها ستنتهي دون ألم..
كنا كمسافرين التقيا في محطة لتغيير الحافلة.. محطة انتظار لكنها لم تكن بها لحظات للانتظار...
كان كل شيء يمضي سريعا دون أن يمنحنا الوقت للنظر للخلف.. منطلقان كأحصنة في سباق... 

حمداً لله ان اختار هو التوقف.. وحمدا لله أنني كنت في بلادي،، حيث سهرت تلك الليلة والتي بعدها  مع أصدقائي لحدود  الفجر لأملاء الفراغ الكبير الذي خلّفه ...

..... 

أكان لزاماً أن يحدث الرحيل مبكراً!!؟
لا أعلم.. هو يجيب ب "لعله خير"..
وانا على يقين أنه خير..
فقبل الرحيل ما كنت قادراً على كتابة جملة واحدة، حالي مع الكلمات  مثل :

كقطيع حملٍ صغير
حاول الراعي دفعهن للحضير
فترقص هذه
تفلت هذه
وتقفز الآخرى فوق السور..
ظنا انه يلاعبهن

هكذا كانت الكلمات قبل الرحيل.. صعبة التصفيد ...
ف الحمدلله حق حمده ... 
كن بخير 

الثلاثاء، 2 يناير 2018

هل وضعت خطة لعام 2018؟..

عام قد انقضى منذ أن قررت الالتحاق بمحاضرة ألقاها استاذ جامعي من محافظة ظفار.. تحدث كثيرا عن ضرورة كتابة أهدافنا لعام 2017..
تحدث بعدم جدوى حفظ الأهداف في ذاكرة الرأس وإنما علينا بكتابة الأهداف على ورقة تبقى امام أعيننا في أغلب الأوقات..
لقد كانت المحاضرة شيقة وجميلة بأسلوب المحاضر و طريقة ايصاله للأفكار..
انتهت المحاضرة وعند مخرج المبنى وقف أحدهم بجوار طاولة عليها كتاب ألفه المحاضر عن تنمية الذات وتطويرها..
اشتريت الكتاب وخرجت مسرورا بما يدور في مخيلتي من أهداف وطموحات..
في مجلس البيت، أغلقت الباب على نفسي لاتمكن من تحديد أهدافي لعام 2017..
حددت ثلاثة أهداف بنيتها من تجربتي في عام 2016..
ففي عام 2016، قرأت واتممت 24 كتابا متنوع المشارب ..
وحفظت ثلث الجزء الأول من كتاب الله..
وحافظت على وزني بأن لا يتجاوز ال73 كيلوجرام وذلك لقلة ممارستي للرياضة في آخر 4 أعوام بسبب إصابة بالركبة ..
كل هذه الأشياء صنعتها في عام 2016 من دون أن اسجل الأهداف على ورقة..
أخذت ورقة بيضاء  وكتبت عليها ثلاثة أهداف :
1- قراءة 25 كتاب
2-حفظ الجزء الأول من المصحف الشريف
3- إنقاص وزني 3 كيلوجرامات ليصبح وزني 70 كيلوجرام..
وعلى دفتر العمل، ألزقت هذه الورقة لأتمكن من قراءة الأهداف كل يوم..
كنت مسرورا حين كتبت هذه الأهداف.. شعور جميل و حلم قد زارني لبضع دقائق قبل أن تقطعه طقطقة الباب من والدي..
انقضت اول ثلاثة أشهر والمشاهد لا تقول أنني على درب  تحقيق الأهداف!.. لكن بعضا من الأعذار قد امليتها على نفسي لإسكات ضميري.. واقنعت ضميري بأن شهر رمضان على الأبواب.. حينها سأشمر عن ساعدي واحقق الأهداف وربما اجتازها..
انقضت ايام رمضان سريعة وانا لم أحقق ربع ما كان مفترض أن أكون عليه!!.. و كدت أن أخفق في إقناع ضميري بأن عام 2017 لم ينتصف بعد.. وان أكثر من 200 يوم لا تزال موجودة وبالإمكان تدارك ما فات..

انقضت أشهر الصيف وأتى الشتاء وخرج شهر ديسمبر حزينا محبطا لعدم وفائي بما عاهدت به نفسي..
أن أبكي على الايام التي رحلت.. فالبكاء لا يعيد الايام..
كل الذي تعلمته من عام 2017 أن على المرء أن يكون حذرا حين يخطط، والا فالاحباط سيكون رفيق دربه بعد أشهر بسيطة من بداية العام حين يرى أنه غير قادر على الوفاء بما تعهد به نفسه..
جميل أن يكتب الإنسان طموحاته وأهدافه، لكن عليه أن يكون أكثر واقعية .. فقد تكون هناك عوامل مساعدة قد بنيت عليها أهدافك، فتذهب هذه العوامل وبالتالي تصاب بالإحباط حين تجد نفسك متأخراً عن الطريق..
لا أقول لا تخطط.. لكن احسبها صح..