الجمعة، 17 أبريل 2020

الطواف ليلا بين طرقات العقر..

دقت ساعة المجلس.. إحدى عشر دقة.. 

وابي لم يعد بعد من سهرته الاعتيادية..

لتطرق في عقلي فكرة الطواف ليلاً بين طرقات العقر المظلمة...


"ماه.. اخرج اشوف ابوي من الطريق"..

هكذا ناديت بأعلى صوتي عند مدخل بيتنا..
ومشيت وانا غير مبالي بجواب امي..


التجول بين بيوت العقر الطينية قبل انتصاف الليل بقليل، يُعتبر في عرفنا نوعاً من البطولة..
جنون بل انتحار في عُرف امي.. 

غير أنني لم أبالِ..


مشيت وحيدا لا انظر خلفي..

ظلي كان يتبعني فقط.. وانا اتبع القمر المكتمل هذا المساء..

لا قناديل معلقة خارج البيوت.. 
ولا مصابيح حديثة تُذكرني بأن "التطور" قد غزا اهل هذه الدار..


البيوت متلاصقة فيما بينها.. حتى فُرجة صغيرة لا ترى..

احاول ان اسلي عن نفسي كلما حاصرتني الظلمة.. 

اردد في نفسي "عندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة" فأخلق سجعاً منها :

عندما تذهب الظلمة ، وتأتي "السكه"..

السكة التي تقول لي أن تفرعاً للمسار قادم.. انه التفرع الذي يقود إلى أفرع صغيرة بين البيوت..


من بين الظلمة .. رجل عشريني الملامح يركض نحوي..

بالكاد عرفته حين اصبحت المسافة بيننا أمتار بسيطة..

انه خالي.. اخو امي الذي رحل قبل خمسة عشر عاما..

رحل قبل ميلادي بيوم.. فكان نصيبي ان حملت اسمه.. 
و لم أشاهده الا في صورة - غير ملونة - تحتفظ بها امي.. وتذرف الدمع كلما رأتها..


قال لي : ما الذي تفعله هنا؟..

فقلت له ابحث عن أبي..

فأجابني : قد مرّ بجانبك قبل قليل..


شاهدت خلفي، ف رأيت ظهر ابي عائداً إلى بيتنا..

عدت لأرى خالي، ف رأيت قطاً يركض بعيداً عني..

فعدت  إلى  ابي خائفا ومرددا  السور الخمس الأخيرة من جزء عم.. 
ومحاولا اللحاق به..


وصلت البيت واستقبلتني خيزران ابي ورسالة مفادها :

"إياك أن تكررها"..


الأربعاء، 15 أبريل 2020

في حضرة ابي..


التاسعة الا ربع
لا تزال تهطل بغزارة.. وصوت الماء المندفع من ميزاب البيت قد تغيرت نغمته..
لا يختلف الصوت كثيراً عن صوت فيضان خزان سطحنا معلناً امتلاءه.. 
أصدر ابي قراره بأن نصلي في جماعة بـ مجلسنا..


أشارت الساعة إلى التاسعة 
ابي و انا وبقية الإخوان في المجلس.. 
اُقيمت الصلاة و كنا كالجنود خلف ابي..


يسترسل ابي بالتلاوة ظاناً نفسه "محمد أيوب".. 
وانا ادعو الله في سرّي بأن لا يطيل خشية ان يحتاج إلى تصحيح..
فـلا احفظ الا آخر خمس سور من جزء عمّ..


يستجيب ربي لدعوتي.. 
فالمروحة العتيقة  المعلقة على سقف مجلسنا..
والتي كانت تدور ببطئ.. 
بعد أن تركها اخي تدور في أقل المستويات، لا لأن الأجواء كانت حارة.. 
إنما لأجل تحريك الهواء الراكد بين الجدران الأربعة.. ولأجل طرد البعوض..

بدأت تصدر صياحا غريبا.. أصواتاً مزعجة لأبي، مُفرحة لي.. 
احد اخوتي، بدا يصدر صوتاً هو الآخر.. كان  يقاوم نفسه عن الضحك.. 
الضحكة كانت أقوى من أن يمسكها.. حاول أن يداري ضحكته بقحقحةٍ "مفتعلة".. 
لكن هيهات، فلم تجدِ نفعا..


ليعلن ابي حينها توقفه عن الصلاة.. 
وفي طرفة عين يتحول إلى "جون سينا" بعد أن كان "محمد أيوب".. 
وانا لم استوعب المشهد.. انما شاهدت اخي ممدداً بجوار قدمي..


وتأتي الأوامر الصارمة بإطفاء المروحة و إقامة الصلاة مجددا..
فخشعت الأصوات لأبي.. فلا يُسمع لنا الا همسا