الأحد، 30 أبريل 2017

حين أفر من العيون ...



أدرت محرك سيارتي وتحركت لوجهةٍ لا ادري الى أين .. كل الذي اعرفه انني كنت احاول الفرار من تلك العيون التي رمقتني بنظرة غريبة .. 
مضيت جهة الشرق حيث تبعد اقرب مدينة عني ٢٠٠ كم .. وجدتني امشي على شارع لا ترى فيه وجوهاً من البشر الا مرة كل ربع ساعة .. أتتني بعض المكالمات الهاتفية لكنني لم ارد على اي منهن .. اغلقت هاتفي ومضيت .. 
تلك النظرات التي بقيت تطاردني حتى خرجت من مدينتي ، ذكرتني برحيل جدتي .. كنت وحيد ابي ، ولذلك كنت من المقربين اليها .. بل كانت ملاذي وحصني من ضربات امي وابي وايضا من بالحارةِ .. 
حين رحلت .. لم يخبرني احد برحيلها .. 
اذكر انني كنت نائماً بجنبها .. وحين صحوت ،، لم اجدها بجانبي .. بل وجدت نفسي في غرفة غير غرفة جدتي .. 

ركضت الى غرفتها فلم اجدها .. 
وجوه كثيرة فوق اجسادٍ مغلفة بالسواد قد شاهدت حينها .. بحثت لفترة عن امي بين الحضور .. وبصعوبة تمكنت من تمييزها من بين الحاضرات .. 
سألتها أين امي الكبيرة ؟ .. فكان الصمت هو جوابها .. أعدت سؤالي لها ،، فكانت إجابتها صمت مع دمعٍ هز وجداني .. 
نظرت حول امي ، فإذا بكل العيون متجهة صوبي ..

خرجت كالمجنون يبكي لا يعرف اين وجهته ..  أخذتني اقدامي الى شجرة التين .. حيث كان مكان جدتي المفضل .. 
وجدت كل شي على حاله .. فنجان قهوتها الكبير .. كرة الصوف التي ألعب بها مع قطتنا لا تزال في مكانها .. الا جدتي لم تكن حاضرة .. 
انتظرتها طويلا حتى زارني النوم من التعب .. 
لا اذكر هل بقيت أياماً افعل نفس الشيء وينتهي المطاف بي نائماً تحت شجرة التين .. او ان المشاهد بقيت تتكرر كالأحلام بالمنام لأيام ! .. 


هي نفس النظرات التي لاحقتني بالامس تلاحقني الان .. ونفس الفِرار الذي لذته بأقدامي بالامس ،، ألوذه اليوم بسيارتي .. 
كل الذي أعرفه ان وجهاً مألوفا لدي ، لن أراه غداً ! ..

الجمعة، 28 أبريل 2017

حين تعزف بؤساً في المساء ..


يأخذني الشوق الى مسقط دائماً .. 
فالزحام وأبواق السيارات وضجيجها يُشعرك بأنها مليئة بالحياة .. 
وقُبيل الغروب .. اهرب عنها كحاجٍ يفر من منى .. 
فبالليل يتفق الظلام  مع البحر ليعزفا أشد انواع السيمفونيات بؤساً .. 
تلك الألحان اجدها اقرب الى الموت منها الى الحياة ..
فلا شيء يدعوني للبقاء فيها حين ترتدي وشاحها الأسود ..
فألوذ بالفرار راجعاً الى نزوى ..

السبت، 22 أبريل 2017

يوم كنا نذهب الى بهلا ب "بيك اب " ...



رحم الله تلك الأيام الخوالي .. حين كنا صغاراً ..
كنا نذهب الى بهلا بسيارة "بيك اب" ..
 دائماً كنا نتشاجر على حجز المقاعد المميزة في "الكرية او الكريل" - ( المقصورة الخارجية للسيارة) - ..

اذكر ذات مرة .. كنا عائدين من بهلا .. وبيد كل منا برتقالةٍ ..
وبالطريق كنا نُقشر البرتقال بأظافرنا  و لا نبالي بنظافتها ..
كانت متعتنا فقط ان نرى قشرة البرتقال تتطاير بالأجواء بفعل الهواء ..
كنا نستمتع بالمشهد و نشعر بنشوة الانتصار حين تبقى قشرة البرتقال محلقتاً لفترة طويلة و ترحل بعيدةً عنا ..

فجأة ومن دون سابق إنذار ..
توقف عمي بسيارته على جانب الطريق .. خرج من مقعده كصقرٍ  ينقض على فريسته ..
وبيد عمي "عصا طويلة" ..
عزف بها على أرجلنا و ركبنا عزفاً فاق به  كل سيمفونيات بيتهوفن ..
وانهى معزوفته ب "ابغى اشوف واحد منكم يعق شيء بالشارع !" ..

لم نكن نعلم حينها ان سائق السيارة التي كانت خلفنا ..
قد ارتدى فجأة زيّ المايسترو حين تجاوزنا بسيارته .. و أعطى لعمي إشارة البدء بالعزف ..

واصل عمي رحلته الى نزوى بعد ان خاط أفواهنا بخيوط الصمت ..
فلقد تمت عملية الاغتيال بنجاح :) ..

على الهامش :
يُذكر ان أبناء عمي كانوا يصرخون قبل ان تصل عصا عمي اليهم ..
 في حين قررت ان اتحلى بالصبر ولا اصرخ .. وكانت النتيجة ان ٩٥٪‏ من الضربات كانت من نصيبي :( ..

الأربعاء، 12 أبريل 2017

اقلب أوراق الذكريات ..


دعني اخبرك عن ما جرى ..
عن فتى صار الشيب منه اقربَ ..
فقد كانت حياته هنا ..
وعلى كل جدارٍ ، تجد نقش قديم يُعيدك للورى ..
في كل بيتٍ .. وفي كل زاويةٍ .. 
بل وعلى كل طوبةٍ ،،  آثارهم  قد تُرى .. 
تركونا كاليتامى .. حيارى .. نتساءل : أحقاً قد رحلوا !؟ .. 

اقلب أوراق الذكريات .. 
فأراهم امامي يمرحون ،، فترتسم على وجهي ابتسامة ...
واسمع صراخهم في داخلي .. فتسقط دمعة من مقلتي ..
لـ قد رحلوا .. ولم تبقَ غير آثارهم ومعها ذكرياتهم .. 

الأربعاء، 5 أبريل 2017

ضيفٌ ثقيلٌ قد زارني ! ...



في زحمة اصراره ، تاهت افكاري .. فلم أعد قادرًا على إيجادها ..
كل الذي اذكره ،، احرف من كلماته .. ألقاها حين كنت غريقًا في بحر عيناه ..
تقاذفتني امواج كلماته .. و شاهدته يبتسم حين رأني أصارع الغرق ..
حينها تذكرت فقط بداياتنا .. و يالها من بدايات .. تباً كم اكره البدايات .. واعشق المصادفات ...
تذكرت حين كنت في مكتبي .. اتصال من رقمٍ غريب على هاتف مكتبي ..
رفعت السماعة ،، وأتاني صوتٌ ناعم من خلفه يتساءل : هل انت بالمكتب ؟ ..
سؤال غبيّ و كعادتي كانت إجاباتي "انا بالمريخ " .. لو لم أكن بالمكتب ، فكيف ارد على اتصالك!  ...
 ابتسامة بقى اثرها الى الان بعدما سمعوا ردي ب "في المريخ" ..
قالوا : بعد قليلٍ نآتي إليك ! ..

تَرَكُوا فوق راسي اطناناً من الحيرة والتعجب .. لكنني قررت ان أتخلص من هذه الاطنان بالاستمتاع ب عادتي القديمة الجميلة .. حين مر بجانبي "صرصور" صغير ،، بسرعة حاصرته و أخذته الى سلة المهملات ..
رشة من عطري المفضل على رأسه .. جعلته يتقلب كفأر يصارع الموت حين قبّلته مشبكة الفئران من راْسه ..
استمتعت وانا اشاهد الصرصور يتقلب  و يصارع الموت .. الى ان توقف عن الحركة نهائيا .. حينها شعرت بنشوة الانتصار ..
تباً لك يا انسان حين تتكبر على مخلوق ضعيف .. تبا لك  حين تستمتع برؤية الضعفاء يصارعون الموت ..
تبا لك يا انسان حين تتكبر و تنسى الذي خلقك و انك مخلوق ضعيف .. تباً لك حين تستمتع برؤية المتألمون !! ..

غابت هذه الأشياء عن راسي بعد ان فاجأني ضيفي بحضوره .. آهٍ من ضيف ثقيل .. ليته لم يأتِ ..
ليته ما عرفني و لا عرفت معه  البدايات ..
حذرني صاحبي منه حين كانت خطوتي الاولى  في ممشى البدايات .. كان شيء ما يدور في راسي .. ف رميت بتحذيره من نافذة غرفتي المطلة على بحر العرب .. وليتني ما فعلت ...
لم اجد  شاطئ النهايات الى الان .. بحثت عنه طويلا .. بلا فائدة ..
لازلت أبحث عن تحذير صاحبي الذي رميته ببحر العرب يوما ما لعلي اجده بالضفة الاخرى من البحر ! .. وحينها اجد خيطا اتبعه الى النهاية !! .. فقد تنتهي الحكاية ! ...

الاثنين، 3 أبريل 2017

أبوابنا لم تعد مغلقةً ...



مجسمات نُصبت .. لا لشيء الا لتوضح للآخرين ..
ان أبوابنا لم تعد مغلقةً .. فكل العالم اصبح يمر من هنا ..
وبالإمكان ان يطل علينا من جميع الشرفات .. ومتى ما شاء ..
بل وبإمكانه ان يصرخ ويملأ الدنيا ضجيجاً .. دون ان أقوى على الهمس  بان يخفف من ثرثرته ..
فهل اجد صومعة لأبتعد عن هذا العالم الغريب ! ..
كيف لي ان أتصوف و الحواجز قد تحطمت والمغارات قد انهارت وربما سُدَّت  ! ...
رباه اسألك الراحة ..

الأحد، 2 أبريل 2017

لو أعلم الغيب ،، لاستكثرت من الخير ..

بالامس .. وقبل غروب شمسها .. كل شيء كان طبيعي بالنسبة لي ..
لحظة غروب الشمس قد سحرتني ،، فجعلتني آلتقط صورة لها واكتب تحتها "تبدأ قصة اخرى بعد الغروب " ...
تمر الساعات طبيعية معي ،، وفِي مكانٍ ما ، كان القدر قد كتب شيئا ما ! لا اعرفه في تلك الساعة ..
انهمك في قراءة #رواية #ساق_البامبو .. لتخطر في بالي خاطرة كدتُ ان أضعها في تويتر لولا ان تداركني التوقيت بقوله غير مناسب ..
هذه هي الخاطرة : 
في سبلة العزاء .. أترى هذه الوجوه قادمة لتقديم واجب العزاء او انها قادمة لتوديع من رحل !؟ .. ما فائدة توديع من رحل بعد ان رحل !؟ ...

أضع رأسي على المخدة قبل ان ينتصف الليل .. ساعة ونصف بعدها .. يرن هاتفي .. امي تتصل بي في هذا التوقيت الغريب .. صوت حزينٌ خلف هاتفي مليئ بالألم "غاب هلال العدوي " ..
ليخلف بعدها عالمٌ من الصمت المدقع سبحت فيه .. فقط كان الهواء المنبعث من جهاز التكيف من ينتشلني من هذا العالم بين فترة واُخرى ...
اثناء تشييع الجنازة .. وحدها فقط كانت رائحة أشجار "الراك" من يذكرني بأن احياء يتجولون في مدينة الأموات .. ضيف جديد قد زارهم .. عذرا ليس بزائر وإنما ساكن جديد في هذه المدينة ..

حين تجلس  بعيداً  وحيدا ، تتابع الحركة من بعيد .. يأتيك  الانسان الحي بداخلك  بحكايته المعتادة ، بربط تاريخ الوفاة بأقارب المتوفى الراحلون قبله .. فمثلا بين هلال و عمته - التي هي جدتي - ٢٤ عام .. بينه وبين عمه او والده او قريبٍ منه ، كذا من الأعوام ...
مسكين انت با بني ادام ! ..
 تساءلت من المسكين يا ترى : نحن الأحياء ام هم الأموات !؟ ...

نغادر مدينة الأموات .. فـ تصلني رسالة من اخٍ عزيز .. ان مدينة الأحياء قد زاد فيها انسان جديد ..
وتستمر عجلة الأيام .. امة تُخلْق و امة تموت ! .. فسبحان الله

زوجة جدّي ..

هناك حيث تجلسُ وحيدةً كل صباح ..
مع دلة قهوة و فنجانين ..
ولأنني  اهابها وانا في هذا العمر وهي في ذاك العمر ... ويفصل بيننا نصف قرنٍ ..
 فأسألها دائماً : لماذا فنجانين ؟ ..
 وقبل ان يُجيبني لسانها .. اعرف جزءًا من الإجابة من تجاعيد وجهها ... فخلف كل إلتوائة من تجاعيدها ،، تسكن عشرات الحكايات ...
كضبٍ هاربٍ من يد البشر ،، تختبيء هذه الحكايات ..
وأتعمد عند كل لقاء ،، ان اطرح نفس السؤال : لماذا فنجانين ؟ ...
 دائماً شطر الإجابة الاول  احفظه .. لكن ما بعده الى النهايات هو من يخبرني عن اي تجعيدٍ سأقرأ  اليوم ..
 نصف قرنٍ من الزمن .. صار محترفاً  في وضع بصمته على وجهها .. ليته رسم خطوطه في اي مكانٍ الا وجهها ويديها .. ما اقساك يا زمن ...
وجدته كطفلٍ يبدأ الان في تعلم الحبو في عالم الكتابة ،، عبّرت يا زمن بخطك المتعرج  على وجهها حتى صرتُ غير قادر على فك كل اسرار حروفك .. فما اقساك يا زمن ..