الأربعاء، 27 يونيو 2018

في ضيافة الأخوة كارامازوف..



خلال شهرين متتاليين .. كنت مع دوستويفسكي وفي ضيافة عائلة كارامازوف المكونة من ابٍ و ثلاثة أبناء  ...
تصفحنا معا لأكثر من ١٦٠٠ صفحة  من حجم  
A5

حين دخلت مع دوستوفيسكي لأول مرة إلى  منزلهم.. كان في يد كل واحدٍ منهم كتاباً 

رفض الأب فيدور ان يبدأ احد من ابنائه بتصفح الكتاب - الذي يمسكه - قبله هو .. 
فابتدأ الأب بتقليب أوراق كتابه .. وكيف تكونت عائلة او الإخوة كارامازوف .. وبدأ بتعريف ابنائه ومن هما الأخوان الاشقاء ومن هو الأخ غير الشقيق لهما  .. 
أشار الى ديمتري فقال ايضا اسمه ميتيا .. ثم ألكسي واسمه الاخر أليوشا .. والثالث ايفان .. وهنا قاطعته قبل ان يقول الاسم الأخر لإيفان .. فقلت : ان ذاكرتي لا تحتفظ بالأسماء طويلا .. ان بها  ضعفاً ، فامهلها تحفظ اسماً واحداً لكل ابن .. استسمحك ان قاطعتك بان تذكر اسم واحد لكل ابن ..

هنا أومأ الأب برأسه موافقاً على كلامي .. وبدأ يسرد الكثير من الذكريات التي كتبها في كتابه الاول .. واستعرض ذكرياته مع زوجته الاولى والثانية و ماذا حلّ بأبنائه حين اهملهم .. و كيف انه قد غرق في بحر الملذات .. متناسيا مرة و ناسياً لمرات كثيرة ابنائه  .. باحثاً عن إشباع لذاته التي لا تعرف الشبع .. وبين فترة واُخرى
يعترض حديث الأب احد ابنائه او خدمه او من من يعرفه من الأصدقاء او أقارب العائلة .. افتخر كثير بالكيفية التي جمع بها ثروته ..
وهو مندفعٌ في قراءة ما ارتكبته يداه من افعال يهودية ربوية
أصابني بعض الملل منها والنعاس .. فما كان من دوستويفسكي الا ان أوقفه عن المتابعة ، ليشير الى أليوشا بأن يقرأ الجزء الثاني ، او الكتاب الثاني ..

كنت اتفرس الى ملامح أليوشا وهو يحكي لي .. لقد كان اصغر الأبناء .. ولكنه كان اعقلهم .. فلقد اخبرني دوستويفسكي عنه سابقا .. حين كان الأب يقرأ ما في كتابه ..
قراء أليوشا كتابه .. كان لديه اُسلوب شيق في القراءة و احتراف كبير في مخارج الحروف .. كان كطائر يغرد بعد الفجر منشداً أغنية الصباح .. لم اشعر بالوقت .. لمحت فجأة ان أليوشا قد اقترب كثيراً من نهاية كتابه .. تحدث كثير عن الكنيسة و عن شيخه الراهب .. وعن صلواته و تضرعاته والاحداث التي صاحبت وفاة شيخه ...
هنا تذكرت انني لم اصلِ العصر .. والشمس تقترب من الغروب .. ف أعطيت إشارة لدوستويفيسكي بضرورة المغادرة و الرجوع لاحقا لاستكمال الجزء الثالث والرابع .. واستكمال احداث ايفان و ميتيا ..
فهم إشارتي .. و استطاع - كعادته - ان يستوقف أليوشا من استكمال حديثه الذي قارب على الإنتهاء ... 
وفي طريق عودتنا ، بعدما تركنا عائلة كارامازوف، لم تتوقف روايتهم هنا .. اخبرني دوستويفسكي عن الأحداث التي ينوي ايفان وميتيا ان يخبرانا بها من كتابيهما ..
لقد حكى لي عن ميتيا او ديمتري و مبلغ الثلاثة آلاف روبل .. وعن الفتاتان اللتان عشقانه او احب إحداهن على حساب خطيبته .. و عن ما جرى للأب فيدور لاحقا .. والميراث وما يفعله بالورثة من مشاكل .. والحب وما يقترفه المحب في سبيل الحبيب ..
حدثني عن ايفان و سفره و أفكاره الإلحادية ..  و ما حل به بعد مقتل الأب فيدور .. 
اما احداث المحكمة وما جرى بها قبل وأثناء وبعد المحكمة .. فلقد كانت مأساوية و مؤلمة بما تحمله من مشاهد مثلما وصفها لي دوستويفسكي ... تم الاستماع لكل الشهود .. والأقارب و الخدم .. 
كانت فصول المحكمة غاية في التشويق بالرغم من ما تحمله في طياتها من الم ...
لن اتحدث كثيرا عن وقائعها حتى لا يفقد القارئ لذة الرواية حين يشرع بقراءتها ...

كل الذي أستطيع ان اختم به هو ان الرواية عالجت الكثير من القضايا الاجتماعية .. يكفي ما قاله محامي ميتيا امام القاضي حين قال : ليس كل اب ، هو في حقيقة الامر اب !! ... لا يعني ان للأب فضل في منح الحياة للابن ، فهذا يبيح للأب ان يفعل ما يشاء بِالابْن !..  اختم الحكي ب
حين اموت يا ابي ،، أنثر  خبزا على قبري ،،
تأكل الطير منه .

شكرا دوستويفسكي .. 

الأحد، 10 يونيو 2018

كن صديقي...



"كن صديقي" ما كان الا عنوانا زائفاً لمحاضرةٍ قدمها زائري ذات يوم ..

كعادتي السيئة.  وحيداً كنت جالساً.. وشاغلاً وقتي بقصاصات من رواية بائسة..
اطرق بابي ذات نهارٍ حارٍ من ايام رمضان..
حيث احرَّته جملة مقتبسة من الرواية.. حين قالت إحدى شخصياتها "شيطان يأخذ النساء"...

وبعدها وجد بابي مفتوحاً دائما وان لم يكن من  الأساس وجود بابٍ من قبل..
لا أنكر أنني أعجبت ذات مرة ب مقال قد كتبه.. لكن لم يكن بيننا اي نقاش أو تواصل ..
دردشنا قليلا.. وقليلا.. إلى أن صار كثيراً..

أخبرني ذات مساء، بأنه يعرف اسمي.. فطلبت منه أن لا يلتفت كثيراً لما يراه على أرصفة الطريق..
طلبته  ب مواصلة سيره و الالتزام بخطة المسار - مثلما طلبته اول الأمر - دون أن يتوقف على  الرصيف..
تحدثنا كثيراً عن الرجل الشرقي، و بالأخص عن عيوبه.. 

من جملة نقاشاتنا الكثيرة .. اذكر انه وصفني ب "رجل جدا جدا"، هذا الوصف الغريب والمضحك في آنٍ واحد بالنسبة لي.. لكونه كان مفاجئاً ، لكنه كان واقعياً حين أعدت تحليلاتي معه... كان ذكياً في تحليلاته .. وان لم يخب حدسي ، فلقد استفاد كثيراً من تخصصه و وظيفته... 

أياماً بسيطة،، لا أظنها تتعدى أصابع اليد...
صرت  له كتاباً مفتوحاً.. تجول بين أوراقي كيفما شاء ومتى ما شاء..
وصلت معه إلى مرحلة  كنت أعلم إلى أين يريد أن يشاء ،، لكنني لم أكن اقاطعه.. كنت اترك له الحرية في اختيار الأوراق التي سنقرأها ..
قراء ما بين السطور و السطور و ما حُذف من سطور بخطٍ خفيف ...
تصفح هاتفي و قرأ بعضا من مذكراتي.. لكنني لم أكن أبالي... فأنا رجلٌ شرقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. انا رجل جدا جدا مثلما وصفني... 
حاولت أن أصفه بأنه شرقي أيضاً .. لكنه من الأساس لم يكن ذا فكرٍ شرقي...  كنت أعلم مسبقاً عن ماذا يبحث... فكنت اجيب عن كل سؤال يلقيه في هاتفي.. و إن أخبرته سابقاً بأن لا يغوص في بحر التفاصيل... لكنه يبقى متميّزاً بحضوره  و "شرقي شمالي" .. 

ذات يومٍ مشؤوم .. أخبرني عن أمنيته .. يتمنى أن يكون "ذو حظٍ عظيم" معي،، لكنني إجابته بكل وضوح .. لم أكن ذات يوم ابريق علاء الدين .. ليمرر يده على رأسي و أحقق أمنياته...
ولم أكن أرغب بخوض بحر الورود مجدداً مثلما أخبرته ... ولا هو كان باحثاً عن الورود.. لأنه ليس بشرقي .. 

لذا كان علينا أن نضع نقطةً على نهاية رحلتنا القصيرة...
رحلة لو استمرت طويلا، لا أظنها ستنتهي دون ألم..
كنا كمسافرين التقيا في محطة لتغيير الحافلة.. محطة انتظار لكنها لم تكن بها لحظات للانتظار...
كان كل شيء يمضي سريعا دون أن يمنحنا الوقت للنظر للخلف.. منطلقان كأحصنة في سباق... 

حمداً لله ان اختار هو التوقف.. وحمدا لله أنني كنت في بلادي،، حيث سهرت تلك الليلة والتي بعدها  مع أصدقائي لحدود  الفجر لأملاء الفراغ الكبير الذي خلّفه ...

..... 

أكان لزاماً أن يحدث الرحيل مبكراً!!؟
لا أعلم.. هو يجيب ب "لعله خير"..
وانا على يقين أنه خير..
فقبل الرحيل ما كنت قادراً على كتابة جملة واحدة، حالي مع الكلمات  مثل :

كقطيع حملٍ صغير
حاول الراعي دفعهن للحضير
فترقص هذه
تفلت هذه
وتقفز الآخرى فوق السور..
ظنا انه يلاعبهن

هكذا كانت الكلمات قبل الرحيل.. صعبة التصفيد ...
ف الحمدلله حق حمده ... 
كن بخير